حقوق وواجبات الأبناء
تَفرِضُ النظمُ الاجتماعية على كلٍّ من الزوجين (النسق الوالدي) أمرَ العناية بتربية الأبناء، والعناية بكافة شؤونهم؛ حتى يشتدَّ عودُهم، وتكتمل مقومات حياتهم وشخصيتهم، ويستطيعوا الاعتماد على أنفسهم، والشرائع السماوية حدَّدتْ حقوقَ وواجباتِ الأبناء، وسنحاول في طيات السطور الآتية استعراض تلك الواجبات والحقوق.
أولاً: حقوق الأبناء:
تتفقُ الشرائع السماوية مع التشريعات الحديثة على وجوب العنايةِ بثمرات الحياة الزوجية منذ أن يكونوا أجنَّة في الأرحام؛ فيجب العناية بهم، والحرص عليهم، وفيما يلي أهم حقوق الأبناء على آبائهم:
1- حق الرضاعة:
يجب العناية بالأبناء، وإحسان استقبالهم بالأذان في آذانهم، واختيار أحسن الأسماء لهم، وتوفير الرضاعة لهم، وقد جعلها الإسلام من حقِّ الطفل على أسرته، قال - تعالى -: ﴿ وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾ [البقرة: 233]، وجاءتِ الآية جامعةً شاملةً، مقيدة هذا الحق بالمعروف، وقدر الاستطاعة، دون إضرار بأي من الوالدين.
2– حق الحضانة:
حدَّدت التشريعات المعاصرة - المنظمة لشؤون الأسرة - قواعدَ دقيقة في هذا الشأن؛ حيث أوجبتِ الحضانة على الأمِّ حتى إذا انفصلتْ عن زوجها، ويَلِيها في هذه الوظيفة جدَّة الطفل لأمه، ثم جدَّته لأبيه، وتستمر هذه الحضانة إلى سن السابعة إذا كان الطفل ذكرًا، وإلى سن التاسعة - وقد تمتد إلى الحادية عشرة - إذا كانت بنتًا.
وأكَّد الإسلام على حقِّ الحضانة للطفل؛ حيث جعلها الإسلام للأمِّ عند نزاعها مع زوجها ومفارقتها له؛ وذلك لكمال شفقة الأم، ويكون لأمهاتها القربى فالقربى إن لم توجد؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: ((أنتِ أحقُّ به ما لم تَنْكِحِي))؛ رواه أبو داود.
واشترط الإسلام فيمَن تقوم بهذه المسؤولية:
• أن تكون أمينةً على الطفل، عالمة بمصالحه.
• أن تكون متفرِّغة، فلا تكون متزوجة، ولا عاملة؛ بحيث لا ترعى شؤونه.
• أن تكون مسلِمة، فلا ينبغي أن يوضع الطفل المسلم تحت رعاية مَن لا يؤتمنون على دينه وخُلقه من الوثنيات والكتابيات.
3– حق التربية:
وهو حقٌّ كبير وعظيم، وهو من المسؤوليات التي سوف يسأل عنها الأبوان يوم الحساب؛ ففي الحديث: ((كلُّكم راعٍ، وكلُّكم مسؤول عن رعيته))؛ متفق عليه.
وقد جاء الأطفال على الفطرة المستقيمة؛ قال - تعالى -: ﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [الروم: 30].
وكلما كبر الطفل، زادتْ حقوقه؛ إذ يجب على أسرته أن تهيِّئ له وسائل النمو السليم، والتربية، والتعليم، والرعاية الصحية، إلى أن يصل مرحلة البلوغ، ومن ثم يستطيع أن يواجه أعباء الحياة معتمدًا على نفسه.
واجبات الأبناء:
وكما أن للأبناء حقوقًا، فإن عليهم واجبات؛ حيث إن الواجبات المفروضة على الأبناء تتمثَّل أو تسير في اتجاهين، هما:
أ- واجبات نحو الآباء.
ب- واجبات نحو الإخوة والأخوات.
أولاً: واجبات الأبناء نحو الآباء:
وهي تدور بين البر والطاعة؛ لأن ذلك ثمرةُ تقديرِ الجميل والجهد، والرعاية الطويلة التي حصل عليها الابن من أبويه، وخاصة أمه؛ حيث قال -تعالى-: ﴿ وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ ﴾ [لقمان: 14]، فلم يَقْرِن الله - سبحانه وتعالى - أحدًا بالشكر معه - وهو الخالق البارئ - غيرَ الأبوين؛ تقديرًا لجهدهما وجهادهما.
والبر له صور مادية، وأخرى معنوية:
فمن الصور المادية: تعهدُهما بالنفقة والرعاية إذا كانا في حاجة، وبالهدايا وتلبية المطالب المحبَّبة إلى نفوسهما إذا لم يكونا في حاجة.
ومن الصور المعنوية للبرِّ: تعليمُهما وإرشادهما إذا كانتْ فرصة التعليم قد فاتتْهما، ثم إعانتهما على أداء الحقوقِ الواجبة عليهما من أداء الفرائض، وسداد الديون، وصلة أرحامهما.
ومن البر المعنوي أيضًا أن يكونَ الابن صورةً كريمة للأخلاق الفاضلة، فيقر عين والديه، ويجلب لهما الدعوة الصالحة ممَّن يشاهدون أفعاله وأعماله، ويتأكَّد البر ويلزم عند بلوغ الأبوين سن الشيخوخة والكبر، ويقول الله -تعالى- في هذا الشأن: ﴿ وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ﴾ [الإسراء: 23- 24].
أما الطاعة، فهي تختلفُ حسبَ السنِّ؛ حيث ينبغي طاعتُهما في الصغر؛ لأنهما أعرفُ الناس بحاجته، وأقدر على وزن الأمور منه، وعند الكِبَر يَجِبُ تقدير رأيِهما، واستشارتهما، وطاعتهما في المعروف، وقد قرَّر القرآن الكريم ذلك حين أمر فقط بمخالفتهما في الشرك بالله، وما فيه معصية،قال -تعالى-: ﴿ وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [لقمان: 15].
ثانيًا: واجبات نحو الإخوة والأخوات:
وتتمثل في المحبة، والصداقة الأخوية - وهي الصداقة الطبيعية - وفي الوفاق، وتقدير كلِّ أخ لباقي الإخوة، وفي التضامن الذي يقوم على محاربة الأنانية، وغرس حب الغير، والمشاركة الوجدانية بين عناصر الأسرة.
و اتمنى يعجبكم الموضوع